إن شخصية الإنسان هي الموضوع الأساسي الذي يدور حوله اهتمام علم النفس والعلوم الأخرى المتفرعة عنه. فكما أن الصحة الجسمية تعتبر أحد الجوانب الأساسية في الشخصية، فإن الصحة النفسية أيضاً تشكل جانباً بالغ الأهمية في بناء الشخصية، فالشخص الذي يتمتع بصحة جسمية ويحقق قدراً مناسباً من التكيف ويملك قيماً أخلاقية واجتماعية مقبولة في المجتمع نقول إنه يتمتع بصحة نفسية طيبة، وهناك من يضيف على ذلك أموراً أخرى كأن يكون لدى الفرد علامات تشير إلى سلامته من الناحية النفسية مثل الشعور بالسعادة والرضى وأن ينعم بشخصية متكاملة.
ولابد من الإشارة إلى أن مفهوم الصحة النفسية ومفهوم الاضطراب النفسي يختلفان في نقطتين أساسيتين:
1. أن السلوك السوي العادي الذي يعبر عن السواء هو سلوك ملائم للموقف الذي يواجهه الفرد. في حين أن السلوك الذي يصدر عن الشخص المريض لا يلائم الموقف ونقول إن هذا السلوك شاذ. ونعتبر الفرد الذي يصدر عنه مثل هذا السلوك إنساناً غير سوي ومريضاً نفسياً، إذن فإن ملائمة السلوك للموقف شرط أساسي نحكم من خلاله على مدى سلامة هذا السلوك.
2. كما أن شدة السلوك هي المحك الثاني الذي يمكن من خلاله أن نحكم عما إذا كان السلوك سوياً أم مرضياً، فسلوك الغضب يصدر عن كل الناس ولكن هذا السلوك يكون دالاً على الصحة النفسية عندما يتفق مع الموقف الذي استثار الغضب. في حين أن الفرد الذي يبالغ في الغضب لدرجة أنه يؤذي نفسه أو الآخرين لأسباب تافهة نحكم على سلوكه بأنه غير سوي ولا يدل على الصحة النفسية. كما أن الشخص الذي لا يغضب على الإطلاع في موقف يتضمن الغضب يمكن أن نحكم على سلوكه بأنه غير سوي. إذن نلاحظ أن شدة السلوك هي المعيار أو المحك الذي نحكم من خلاله على الفرد. ومن هنا نقول إنه ليس من السهل أن نضع حداً فاصلاً بين الصحة والمرض في المجال النفسي، لأن ذلك ينمو على مقدار ما يملك الفرد من تكامل وانسجام بين الوظائف النفسية المختلفة في الشخصية.
إن الحفاظ على الصحة النفسية لأفراد المجتمع يكتسب أهمية بالغة، لأن سلامة المجتمع وتقدمه ونموه يتوقف على ما يحققه أفراده من نمو نفسي سليم يجعلهم قادرين على العطاء والإنتاج من جهة، كما يحقق الأمن الاجتماعي بين فئات المجتمع المختلفة مما يجعل المجتمع قادراً على الاستمرار ومواجهة التحديات المختلفة التي يواجهها.
إن حماية أفراد المجتمع من التعرض للإحباطات والصراعات النفسية ومصادر القلق النفسي المختلفة يهتم بها المخطط الاجتماعي في كل مجتمع يريد أن يحقق لأبنائه التماسك والنمو والتقدم.
إن الخدمات الاجتماعية والتربوية والصحية والإعلامية والثقافية كلها في نهاية المطاف ينبغي أن تحقق لأفراد المجتمع النمو النفسي السوي الذي يساعد كل فرد على إنماء شخصية متكاملة قادرة على مواجهة مطالب الحياة وإشباع الحاجات الأساسية بيسر دون التعرض لصعوبات قاهرة تجعل الفرد عرضة للمعاناة من الإحباط والصراع بحيث يضطر إلى سلوك سبل غير سوية حتى يستطيع أن يحقق العيش. وهذا يولد آثاراً سيئة ليس على الأفراد الذين يعانون من هذه الصعوبات والمشكلات بل على المجتمع بكامله، لأن السلوك المنحرف الذي يضطر إلى إتباعه بعض أفراد المجتمع سواء كان جنوحاً أم إجرامياً فإنه يمس سلامة المجتمع وأمنه ويكبد المجتمع نفقات مادية ومعنوية كبيرة لمواجهة هذه الحالات. بالإضافة إلى الآثار النفسية والاجتماعية التي يعاني منها المصاب على المستوى الفردي أو المستوى العائلي.
ولهذه الأسباب جميعاً فإن الاهتمام بصحة المجتمع النفسية يعتبر هدفاً استراتيجياً تسعى الدول إلى بلوغه بكل الوسائل المتاحة لها.
إن مرحلة الشباب مرحلة انتقال بين الطفولة والرشد، وهي مرحلة تتميز بأنها دقيقة وحرجة إذ تجتاح الشاب تغيرات تستثير لديه مشاعر جديدة لم يعهدها من قبل. كما أن التغيرات الجسمية تجعله يواجه صعوبات في التكيف والاتساق الحركي، وهذه التغيرات الجسمية تؤدي إلى نفور المراهق بذاته وخجله من بعض المظاهر.
إن النمو العقلي يستمر خلال فترة الشباب كما تتمايز القدرات العقلية مثل القدرة اللغوية والقدرة العددية والقدرة المكانية... إلخ. وإن هذا التمايز يجعل مسألة الفروق الفردية بين الشباب أكثر حدة، مما يدعونا كمربيين أن نهتم بملاحظة هذه الفروق والتي تظهر من خلال التحصيل الدراسي بوجه خاص وأن نضع في الاعتبار أن لدى كل شاب نوعاً معيناً من القدرات العقلية التي تجعله يتفوق على غيره فيها وعلى المربيين أن يشجعوا ميول الطلبة وهواياتهم حتى يعبروا عنها بصورة ابتكارية تسمح لهم باستثمار طاقاتهم العقلية إلى أقصى حد ممكن.
أما من الناحية الانفعالية فإن الشاب يمر بمرحلة انتقالية متميزة، إذ أن الإفرازات الداخلية لبعض الغدد الصماء وما تحدثه من تغيرات كيماوية تؤدي إلى ظهور بعض أشكال السلوك الانفعالي التي تختلف عن مرحلة الطفولة فالشاب تتسم انفعالاته بالعنف والشدة. وهو لا يستطيع في معظم الأحوال أن يتحكم بانفعالاته. فهو يصرخ ويبكي ويقذف الأشياء بعنف عند الغضب، كما أنه يقفز في الهواء صارخاً منفجراً من الضحك في حالات السرور، وذلك يشير إلى عدم قدرته على الاتزان الانفعالي