قال ابن الجوزي : (( وقد رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً إن طال الليل فبحديث لا ينفع أو بقراءة كتاب فيه غزل أو سمر ، وإن طال النهار فبالنوم وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق فشبههم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم وما عندهم خبر. عندما حضرت معاذ الوفاة قال
(اللهم إنك تعلم أني لم أحب البقاء لجري الأنهار ، أو لغرس الأشجار ، ولا لنكح الأزواج ؛ ولكن لظمأ الهواجر ، ومكابدة الليل ، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر)).
قال الشاعر :
بقدر الكد تكتسب المعـالــي ومن طلب العلا سهر الليالـي
تروم العز ثم تنــام ليــلاً يخوض البحر من طلب اللآلي
تركت النوم ربي في الليـالي لأجل رضاك يا مولى الموالي
فوفقني إلى تحصيــل علـم وبلغني إلى أقصى المعالــي
واحرص على تنظيم أوقاتك وإياك والسهر ولو بطلب العلم حتى تنام مبكراً أو تناجي ربك في السحر ولكي لا تفوتك صلاة الفجر.
5 ـ مخالطة من هو أعلم منك من القرناء ولو في بعض الأوقات : لأنك إذا خالطت من هو أقل منك ظننت أن معك علم فتصاب الغرور أما إذا خالطت من هو أعلم منك علمت أن بضاعتك قليلة فتزداد علماً.
6 ـ الاستغفار وتجديد التوبة ليلاً ونهاراً : كثرة الاستغفار وتجديد التوبة عون لطالب العلم على قبول العلم وفهمه ، وأكثر من سؤال الله سبحانه وتعالى أن يرزقك علماً نافعاً وعملاً صالحاً ، وأن يتقبل منك.
7 ـ ترك الفضول : لكي تغلق الباب أمام الشيطان ، اترك فضول الكلام والسماع والنظر والخلطة والطعام .
8 ـ احذر آفات اللسان التي منها : 1- الكلام فيما لا يعني 2- الخوض في الباطل 3- المراء والجدل والمذموم 4- الخصومة 5- التقعر في الكلام 6- الفحش والسب وبذاءة اللسان 7- اللعن 8- الغناء والشعر الحرام 9- المزاح الكثير 10- السخرية والاستهزاء 11- إفشاء السر 12- الوعد الكاذب 13- الكذب 14- الغيبة والنميمة 15- كلام ذي الوجهين 16- المدح الزائد.
ويمكن ترك ذلك بشغل اللسان بالخير ومراقبة الله وتذكر الكاتبين ومجاهدة النفس.
9 ـ التفقه في الشباب : قال ابن عباس : ما بعث الله نبياً إلا شاباً وما أوتي العلم عالم خير له منه وهو شاب . وقال لقمان لابنه : يا بني ابتغ العلم صغيراً فإن ابتغاء العلم يشق على الكبير. وقال هشام بن عروة كان أبي يقول : إنا كنا أصاغر قوم ثم نحن اليوم كباراً ، وإنكم أصاغر وستكونون كباراً فتعلموا العلم تسودوا به أقوامكم ويحتاجوا إليكم.
قال الشاعر :
إذا أنت أعياك التعلم ناشئاً فمطلبه شيخاً عليك شديد
10 ـ الصبر والجلد والثبات والمثابرة : ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)).
12ـ البعد عن مصاحبة الأشرار ورفقاء السوء.
ونظم أحدهم أسباب تحصيل العلم وقال :
أخي لن تنال العلم إلا بسـتة سـأنبيك عن تعدادها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وإرشاد أستاذ وطول زمان
آداب طالب العلم :
1- الإخلاص : أن يبتغي بطلب العلم وجه الله ولا يبتغي بذلك منصباً أو شهرة أو شهادة أو غرض دنيوي.
2- الصبر : (( وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ...)) (البقرة:45)
فلا تتعجل في نيل العلم ، فالعلم لا ينال في يوم وليلة ، وتستجلب الصبر بثلاثة أمور :
أولاً : ملاحظة حسن الجزاء من الله.
ثانياً : انتظار الفرج.
ثالثاً : تهوين البلية بأمرين : أ- أن تعد نعم الله عليك ب- أن تتذكر النعم السابقة عليك وتتذكر مصائب غيرك.
3- تتجنب الأسباب الشاغلة عن التحصيل إلا ما لا بد منه للحاجة : (( مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ...)) (البقرة:4) .
4- التواضع للمعلم : فالتواضع والصبر على ذل التعلم ينال العلم ، قال الشاعر :
ومن لم يذق طعم المذلة ساعة قطع الزمان بأسره مذلولا
يحسن الأدب مع معلمه ، ويكثر الدعاء له (( من صنع لكم معروفاً فكافئوه)) .
5- اختيار المعلم المتدين كامل الأهلية.
6- أن يدخل على الشيخ كامل الخصال متطهراً فارغ القلب مما يشغله وأن لا يدخل بغير استئذان ويسلم على الحاضرين ويخص الشيخ بالتحية بعد أن يعم الجميع ، ويجلس حيث انتهى به المجلس ولا يفرق بين اثنين إلا بإذنهما.
7- لا يرفع صوته من غير حاجة ولا يضحك و يكثر الكلام من غير حاجة و يعبث بيده ولا يكثر الالتفات ويجلس جلسة المتعلم.
8- أن يطهر باطنه من الرذائل . وقيل : يطيب القلب للعلم كما تطيب الأرض للزراعة.
9- الحرص على التعلم والمواظبة عليه ولا يقتنع بالقليل مع التمكن من الكثير ولا يحمل نفسه ما لايطيق مخافة الملل.
10- أن يعلم أن طلبه للعلم لينفي عن نفسه الجهل . وليعبد الله كما أمره وليس كما تهوى نفسه.
11- البداءة بالأهم فالمهم : علوم الشريعة قسمان : أ- علم أصول ب- علم فروع.
فأما الأصول فهو قسمان : أ- فرض عين. ب- فرض كفاية.
فأما فرض العين فهو الذي يجب على كل شخص بعينه كمعرفة الطهارة والصلاة وشروطها ، وأركانها وواجباتها وغسل الجنابة والصوم فهذا لا بد لكل مكلف معرفتها . ثم أما فرض الكفاية فهو ما إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين وهو باقي العلوم.
أهم العلوم القرآن الكريم فتبدأ بحفظه .
12 ـ العمل بالعلم : لأن العمل هو ثمرة العلم وإذا أردت أن لا تنس علماً فاعمل به ويتمثل العمل بما يلي :
(1) العبادة والإكثار منها سواء فرض أو نوافل.
(2) الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
(3) كثرة ذكر الله سبحانه وتعالى.
(4) المعاملة الطيبة للناس بأقواله وأفعاله.
(5) الدفاع عن هذا الدين.
12- عدم كتمان العلم والحذر من الفتوى بغير علم : (( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ...)) (البقرة:159)
(( من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار)) . وأيضاً لا تفتي بغير علم (( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ)) (النحل:116).
13- التثبت فيما ينقل : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا...)) (الحجرات:6).
14- الحرص على المظهر : أن يحرص على الطيب والسواك وإعفاء اللحية وحف الشارب ، وعدم الإسبال. كان الإمام مالك إذا أراد أن يحدّث اغتسل وتطيب ولبس ثياباً جدداً إكراماً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبعض طلبة العلم يحتجون بحديث ((البذاذة من الإيمان )) الذي رواه أحمد وابن ماجه وهو حسن ، يحتجون به على ترك المظهر والحقيقة ((أن الله جميل يحب الجمال )) رواه مسلم ، والمقصود بالبذاذة التواضع وعدم الإسراف والإسبال في الثياب والخيلاء بها وليس المقصود ترك النظافة.
ما العلم الذي نقصده ؟
العلوم تنقسم قسمين :
1- علوم شرعية وما يتبعها مما يعين عليها من علوم العربية.
2- علوم دنيوية :
والذي نقصد عندما يقال طلب العلم ، العلم الشرعي ، وهو الذي ورد فيه الفضل والأجر.
والعلوم الشرعية منها ما يكون فرض عين على كل أحد كمعرفة كيف يتطهر وكيف يصلي ونحو ذلك.
ومنها ما يكون فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين ومن يقوم به ينال الأجر من الله.
وأكثر النصوص المرغبة في طلب العلم تنصرف إلى ما تعلمه مرض كفاية إذ إن ما تعلمه فرض عين لا مزية فيه لأحد إذ على الجميع معرفته ، فمثلاً فضل العالم على العابد هل يقال المقصود العلم العيني لا ؛ لأن العابد عنده العلم العيني وإلا صار ضالاً.
هذا بالنسبة للعلوم الشرعية ، أما العلوم الدنيوية فمع أنها مقصودة بالنصوص الحاثة على طلب العلم إلا أنه يقال إنها إن قصد بها الخير وبنيت على الإيمان والدين صارت علوماً دنيوية دينية ، وإن لم يقصد بها الدين صارت علوماً دنيوية محضة ، ولا بد من التنبيه إلى أنه إذا احتاجت الأمة إلى هذه العلوم صار تعلمها فرض كفاية ، بل يحق للإمام أن يكلف من يتعلمها.
إذن يتلخص مما سبق أن العلم الذي نقصده هو العلم الشرعي يدخل فيه العلم الواجب تعلمه على كل أحد دخولاً أولياً ثم العلم الكفائي.